قصة وعبرة 1
تقول إحداهن:
في إحدى المرات رن هاتفي وظهر لي رقمًا لا أعرفه ولا أعرف صاحبه، فتحت الخط فإذا بصوت سيدة عجوز تكاد تطير فرحًا حينما أجبتها، قبل أن أسألها عن ماهيتها بادرتني هي قائ لة: غدير! أخيرًا وجدتك!
منذ سنتين أتصل بكِ ولا تجيبي على اتصالاتي،
لقد اشتقت لكِ كثيرًا يا ابنتي.
حين سمعت صوتها الباكي من تأثير الغبطة التي اغتبطتها حين أجبت على إتصالها لم أستطع إخبارها بإنني لست غدير ولست المقصودة، بل لم أستطع حتى النطق ولو بكلمة واحدة، لقد كانت تلك العجوز في حالة يُرثى لها.
أكملت قائلة: أنتِ الوحيدة التي بقيتِ لي يا غدير بعدما تخلوا عني أولادي وأودعوني بدار المسنين،
وقلت ربما قمتِ أنتي بتغييره،
وأحمد الله على أنكِ أجبتِ إتصالي.
ازدحمت الدموع في عيني وهي تتبادر إلى السقوط رأفة وشفقة بتلك العجوز المسكينة، فذكرها بأن أولادها قد أودعوها بدار المسنين آلمني وكسر نفسي كسرًا، فأنا أم وأعرف شعور قلبها الآن، وأعرف كسرة نفسها وضيق الحياة بها،
قاطعتني قائلة: لماذا لا تتحدثين إليّ يا غدير؟
استجمعت بعضًا من قواي وازدردت ريقي بصعوبة بالغة وقلت لها: أنا بخير، فقط لا أصدق أنني أسمع صوتك.
قلت: لقد أخذت الإنفلونزا مأخذها مني وهي السبب في تغير صوتي.
ظلت تقص عليّ بطولاتها في دار المسنين مع صديقاتها، وعن قسوة أولادها،
كانت تبكي حينًا وتضحك حينًا آخر،
قالت بأنها لا ترجو من أولادها شيئًا غير رؤيتهم واحتضانهم، أخذت تحكي لي عن أحفادها وأسمائهم وأعمارهم وأطوالهم وتواريخ ميلادهم والأيام التي ولدوا فيها جميعًا بل والساعة التي ولد فيها كل حفيد لها،
وحكت لي عن أختها الوحيدة التي كانت تحبها كثيرًا وتوفاها الله وقد كانت آخر من ماتت من أقاربها فما عاد لها حبيب ولا قريب إلا أولادها،
كانت تتصل بي كل يوم فنتسامر ونقص على بعضنا القصص ونضحك وأهوّن عليها وحدتها ولم أخبرها عن حقيقتي حتى لا أسبب لها أي حرج،
وكنت لا أبادر بالإتصال بها إلا لو اتصلت هي حتى لا أكون سببًا في قلقها أو أن تظن بأن ثمة مكروهًا قد حدث لأي من أولادها أو أحفادها،
فرغم ما فعلوه بها ولكنها ما زالت تحبهم.
انقطعت عن الإتصال بي ليومين
وفي أصيل اليوم الثالث اتصلت بها
فأجابت على إتصالي إحدى عاملات دار المسنين،
وأنها قد تركت لي رسالة مفادها
"شكرًا لكِ يا ابنتي على سعة صدرك وتحملك لقصصي التافهة التي كنت أقصها عليكِ،
كبار السن كالأطفال يا ابنتي،
هم بحاجة لم يسمعهم ويهوّن عليهم بؤسهم وشقاءهم،
ولقد فعلتِ أنتِ ما عجز عن فعله أولادي،
وفعلتِ أيضًا ما عجزت عن فعله ابنة أختي غدير،
سامحيني لأنني استخدمت تلك الحيلة معك،
لقد كنت بحاجة فقط لمن يسمعني"
أحياناً لا نحتاج إلى حلول أو مساعدة
كل ما نحتاج إليه ....
من يستمع إلينا فقط.
عن جبر الخواطر أتحدث ♡